الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
: حدثني أبو علي قال: لما أراد الوزير أبو محمد المهلبي نقل سنة خمس وثلثمائة الهلالية أمر أبا إسحاق والدي وغيره من كتابة في الخراج والرسائل بإنشاء كتاب عن المطيع لله في هذا المعنى فكتب كل منهم وكتب والدي الكتاب الموجود في رسائله وعرضت النسخ على الوزير فاختاره منها وتقدم بأن يكتب إلى أصحاب الأطراف وقال لأبي الفرج بن أبي هشام خليفته: اكتب إلى العمال بذلك كتبًا محققة وانسخ في أواخرها هذا الكتاب السلطاني فغاظ أبا الفرج وقوع التفضيل والاختيار لكتاب والدي وقد كان عمل نسخة اطرحت في جملة ما اطرح وكتب قد رأينا نقل سنة خمسين إلى إحدى وخمسين فاعمل على ذلك ولم ينسخ الكتاب السلطاني وعرف الوزير ما كتب به أبو الفرج فقال له: لماذا أغفلت نسخ الكتاب السلطاني في آخر الكتب إلى العمال وإثباته في الديوان فأجاب جوابًا علك فيه فقال له: يا أبا الفرج ما تركت ذلك إلا حسدًا لأبي إسحاق وهو والله في هذا الفن أكتب أهل زمانه فأعد الآن الكتب وانسخ الكتاب في أواخرها قال القاضي أبو الحسن: وأنا أذكر بمشيئة الله نسخة الكتاب الذي أشار إليه أبو الحسن علي بن الحسن الكاتب وكتاب أبي إسحاق وكتاب القاضي الفاضل ليستبين للناظر طريق نقل السنين الخراجية إلى السنين الهلالية فإذا قاربت الموافقة وحسنت فيها المطابقة فالكتاب الفاضلي أكثر نجازًا وأعظم إعجازًا ولا يخفى على المتأمل قدر ما أورد فيه من البلاغة كما لا يخفى على العارف قدر ما تضمنه كتاب الصابي من الصناعة. نسخة الكتاب الذي أشار إليه أبو الحسن الكاتب: إن أولى ما صرف إليه أمير المؤمنين عنايته وأعمل فيه فكره ورويته وشغل فيه تفقده ورعايته أمر الفيء الذي خصه الله به وألزمه جمعه وتوفيره وحياطته وتكثيره وجعله عماد الدين وقوام أمر المسلمين وفيما يصرف منه إلى أعطيات الأولياء والجنود ومن يستعان به لتحصين البيضة والذب عن الحريم وحج البيت وجهاد العدو وسد الثغور وأمن السبيل حقن الدماء وإصلاح ذات البيت وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى راغبًا إليه ومتوكلًا عليه أن يحسن عونه على ما حمله منه ويديم توفيقه بما أرضاه وإرشاده إلى أن يقضي عنه وله وقد نظر أمير المؤمنين فيما كان يجري عليه أمر جباية هذا الفيء في خلافة آبائه الراشدين صلوات الله عليه فوجده على حسب ما كان يدرك من الغلات والثمار من كل سنة أولًا أولًا على مجاري شهور سني الشمس في النجوم التي يحل مال كل صنف منها فيها ووجد شهور السنة الشمسية تتأخر عن شهور السنة الهلالية أحد عشر يومًا وربعًا وزيادة عليه ويكون إدراك الغلات والثمار في كل سنة بحسب تأخرها فلا تزال السنون تمضي على ذلك سنة بعد سنة حتى تنقضي منها ثلاث وثلاثون سنة وتكون عدة الأيام المتأخرة منها أيام سنة شمسية كاملة وهي ثلثمائة وخمسة وستون يومًا وربع يوم وزيادة عليه. فحينئذ يتهيأ بمشيئة الله تعالى وقدرته إدراك الغلات التي تجري عليها الضرائب والطسوق في استقبال المحرم من سني الأهلة ويجب مع ذلك إلغاء السنة الخارجة إذا كانت قد انقضت ونسبتها إلى السنة التي أدركت الغلات والثمار فيها لأنه وجد ذلك قد كان وقع في أيام أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمة الله عليه عند انقضاء ثلاث وثلاثين سنة آخرتهن سنة إحدى وأربعين ومائتين فجرت المكاتبات والحسبانات وسائر الأعمال بعد ذلك سنة بعد سنة إلى أن مضت ثلاث وثلاثون سنة آخرتهن انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين ووجب إنشاء الكتب بإلغاء ذكر سنة أربع وسبعين ومائتين ونسبتها إلى سنة خمس وسبعين ومائتين فذهب ذلك على كتاب أمير المؤمنين المعتمد على الله وتأخر الأمر أربع سنين إلى أن أمر أمير المؤمنين المعتضد بالله رحمة الله عليه في سنة سبع وسبعين ومائتين بنقل خراج سنة ثمان وسبعين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين. فجرى الأمر على ذلك إلى أن انقضت في هذا الوقت ثلاث وثلاثون سنة: أولاهن السنة التي كان يجب نقلها فيها وهي سنة خمس وسبعين ومائتين وآخرتهن انقضاء شهور خراج سنة سبع وثلثمائة ووجب افتتاح خراج ما يجري على الضرائب والطسوق في أولها وإن من صواب التدبير واستقامة الأعمال واستعمال ما يخف على الرعية معاملتها به نقل سنة الخراج سنة سبع وثلثمائة إلى سنة ثمان وثلثمائة فرأى أمير المؤمنين لما يلزمه نفسه ويؤاخذها به من العناية بهذا الفيء وحياطة أسبابه وإجرائها مجاريها وسلوك سبيل آبائه الراشدين رحمة الله عليهم أجمعين فيها أن يكتب إليك وإلى سائر العمال في النواحي بالعمل على ذلك وأن يكون ما يصدر إليكم من الكتب وتصدرونه منكم وتجري عليه أعمالكم ورفوعكم وحسباناتكم وسائر مناظراتكم على هذا النقل فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين واعمل به مستشعرًا فيه وفي كل مضنة تقوى الله وطاعته ومستعملًا عليه ثقات الأعوان وكفاتهم ومشرفًا عليهم ومقومًا لهم واكتب بما يكون منك في ذلك إن شاء الله تعالى. نسخة أبي إسحاق الصابي: أما بعد: فإن أمير المؤمنين لا زال مجتهدًا في مصالح المسلمين وباعثًا لهم على مراشد الدنيا والدين ومهيأ لهم أحسن الاختيار فيما يوردون ويصدرون وأصوب الرأي فيما يبرمون وينقضون فلا يلوح له خلة داخلة على أمورهم إلا سدها وتلافاها وحال عائدة بحظ عليهم إلا اعتمدها وأتاها ولا سنة عادلة إلا أخذهم بإقامة رسمها وإمضاء حكمها والاقتداء بالسلف الصالح في العمل بها والإتباع لها وإذا عرض من ذلك ما تعلمه الخاصة بوفور ألبابها وتجهله العامة بقصور أفهامها وكانت أوامره فيه خارجة إليك وإلى أمثالك من أعيان رجاله وأماثل عماله الذين يكتفون بالإشارة ويجتزون بيسير الإبانة والعبارة لم يدع أن يبلغ من تخليص اللفظ وإيضاح المعنى إلى الحد الذي يلحق المتأخر بالمتقدم ويجمع بين العالم والمتعلم ولا سيما إذا كان ذلك فيما يتعلق بمعاملات الرعية ومن لا يعرف إلا الظواهر الجلية دون البواطن الخفية ولا يسهل عليه الانتقال عن العادات المتكررة إلى الرسوم المتغيرة ليكون القول بالمشروح لمن برز في المعرفة مذكرًا ولمن تأخر فيها مبصرًا ولأنه ليس من الحق أن تمنع هذه الطبقة من برد اليقين في صدورها ولا أن يقتصر على اللمحة الدالة في مخاطبة جمهورها حتى إذا استوت الأقدام بطوائف الناس في فهم ما أمروا به وفقه ما دعوا إليه وصاروا على حكمه سواء لا يعترضهم شك الشاكين ولا استرابة المستريبين اطمأنت قلوبهم وانشرحت صدورهم وسقط الخلاف بينهم واستمر الاتفاق بهم واستيقنوا أنهم يؤسسون على استقامة من المنهاج ومحروسون من حزائز الزيغ والاعوجاج فكان الانقياد منهم وهم دارون عالمون لا مقلدون مسلمون وطائعون مختارون لا مكرهون ولا مجبرون. وأمير المؤمنين يستمد الله تعالى في جميع أغراضه ومراميه وطالبه ومغازيه مادة من صنعة يقف بها على سنن الصلاح ويفتح له أبواب النجاح وينهضه بما أهله لحمله من الأعباء التي لا يدعي الاستقلال بها إلا بتوفيقه ومعونته ولا يتوجه فيها إلا بدلالته وهدايته وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل يرى أن أولى الأقوال أن يكون سدادًا وأحرى الأفعال أن يكون رشادًا ما وجد له في السابق من حكم الله أصول وقواعد وفي النص من كتابه آيات وشواهد وكان منصبًا بالأمة إلى قوم من دين أو دنيا ووفاق في آخره أو أولى فذلك هو البناء الذي يثبت ويعلو والغرس الذي ينبت ويزكو والسعي الذي تنجح مباديه وهواديه وتبهج عواقبه وتواليه وتستنير سبله لسالكيها وتوردهم موارد السعود في مقاصدهم فيها غير ضالين ولا عادلين ولا منحرفين ولا زائلين وقد جعل الله عز وجل لعباده من هذه الأفلاك الدارة والنجوم السائرة فيما نتقلب عليه من اتصال وافتراق ويتعاقب عليها من اختلاف واتفاق منافع تظهر في كرور الشهور والأعوام ومرور الليالي والأيام وتفاوت الضياء والظلام واعتدال المسالك والأوطان وتغاير الفصول والأزمان ونشو النبات والحيوان مما ليس في نظام ذلك خلل ولا في صنعه زلل قال الله تعالى: " فصارت ثلثمائة وخمسة وستين يومًا وربعًا بالتقريب المعمول عليه وهي المدة التي تقطع الشمس فيها الفلك مرة واحدة ونقصت الهلالية فصارت ثلثمائة وأربعة وخمسين يومًا وهي المدة التي يجامع القمر فيها الشمس اثنتي عشرة مرة واحتيج إذا انساق هذا الفضل إلى استعمال النقل الذي يطابق إحدى السنتين بالأخرى إذا افترقنا ويداني بينهما إذا تفاوتتا وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على افتنان من طرقها ومذاهبها وفي كتاب الله عز وجل شهادة بذلك إذ يقول في قصة أهل الكهف: " وأما الروم: فكانوا أتقن منهم حكمة وأبعد نظرًا في العاقبة لأنهم رتبوا شهور السنة على أرصاد شهروها وأنواء عرفوها وفضوا الخمسة الأيام على الشهور وساقوها على الدهور وكبسوا الربع في كل أربع سنين يومًا ورسموا أن يكون إلى شباط مضافًا فقربوا ما بعده غيرهم وسهلوا على الناس أن يقتفوا أثرهم لا جرم أن المعتضد بالله رحمه الله على أصولهم بنى ولمثالهم احتذى في تصييره نوروزه اليوم الحاد عشر من حزيران وحتى سلم مما لحق النواريز في سالف الأزمان وتلافوا الأمر في عجز سني الهلال عن سني الشمس بأن جبروها بالكبس فكلما اجتمع من فصول سني الشمس وما بقي تمام شهر جعلوا السنة الهلالية يتفق ذلك فيها ثلاثة عشر هلالًا فربما تم الشهر الثالث عشر في ثلاث سنين وربما تم في سنتين بحسب ما يوجبه الحساب فتصير سنتا الشمس والهلال عندهم متقاربتين أبدًا لا يتباعد ما بينهما. وأما العرب: فإن الله تعالى فضلها على الأمم الماضية وورثها ثمرات مشاقها المتعبة وأجرى شهر صيامها ومواقيت أعيادها وزكاة أهل ملتها وجزية أهل ذمتها على السنة الهلالية وتعبدها فيها برؤية الأهلة إرادة منه أن تكون مناهجها واضحة وأعلامها لائحة فيتكافأ في معرفة الغرض ودخول الوقت الخاص منها والعام والناقص الفقه والتام والأنثى والذكر والصغير والكبير والأكبر فصاروا حينئذ يحسبون في سنة الشمس حاصل الغلات المقسومة وخراج الأرض الممسوحة ويجبون في سنة الهلال الجوالي والصدقات والأرجاء والمقاطعات والمستغلات وسائر ما يجري على المشاهرات وحدث من التداخل بين السنين ما لو استمر لقبح جدًا وازداد بعدًا إذ كانت الجباية الخراجية في السنة التي ينتهي إليها تنسب إلى الشمسية وإلى ما قبلها فوجب مع هذا أن تطرح تلك السنة وتلغي ويتجاوز إلى ما بعدها ويتخطى ولم يجز لهم أن يعتدوا لمخالفتهم في كبس السنة الهلالية بشهر ثالث عشر ولأنهم لو فعلوا ذلك لزحزحت الأشهر الحرم عن موافقها وارتجت المناسك عن حقائقها ونقصت الجباية في سني الأهلة القبطية بقسط ما استغرقه الكبس منها فانتظروا بذلك الفضل إلى أن تتم السنة وأوجب الحساب المقرب أن يكون كل اثنتين وثلاثين سنة شمسية ثلاثًا وثلاثين هلالية فنقلوا المتقدمة إلى المتأخرة نقلًا لا يتجاوز الشمسية. وكانت هذه الكلفة في دنياهم مستسهلة مع تلك النعمة في دينهم وقد رأى أمير المؤمنين نقل سنة خمسين وثلثمائة الخراجية إلى سنة إحدى وخمسين وثلثمائة الهلالية جمعًا بينهما ولزومًا لتلك السنة فيهما فاعمل بما ورد به أمر أمير المؤمنين عليك وتضمنه كتابه هذا إليك ومر الكتاب قبلك أن يحتذوا رسمه فيما يكتبون به إلى عمال نواحيك ويخلدونه في الدواوين من ذكورهم ورفوعه ويعدونه من خروج الأموال وينظمونه في الدواوين من ذكورهم ورفوعهم ويعدونه من خروج الأموال وينظمونه في الدواوين والأعمال ويثبتون عليه الجماعات والحسبانات ويوغرون بكتبه من الروزنامجات والبراءات وليكن المنسوب من ذلك إلى سنة خمسين وثلثمائة التي وقع النقل إليها وأقم في نفوس من بحضرتك من أصناف الجند والرعية أهل الملة والذمة أن هذا النقل لا يغير لهم رسمًا ولا يلحق بهم ثلمًا ولا يعود على قابضي العطاء بنقصان ما استحقوا قبضه ولا على مؤدي حق بيت الما بإغضاء عما وجب أداؤه فإن قرائح أكثرهم فقيرة إلى إفهام أمير المؤمنين الذي آثر أن تزاح فيه العلة ويسد بهم سهم الخلة إذ كان هذا الشأن لا يتجدد إلا في المدد الطوال التي في مثلها يحتاج إلى تعريف الناسي وأجب بما يكون منك جوابًا يحسن موقعه لك أن شاء الله تعالى. وقال ابن المأمون في تاريخه: من حوادث سنة إحدى وخمسمائة وأول ما تحدث فيه نقل السنة الشمسية إلى العربية وكان قد حصل بينهما تفاوت أربع سنين فتحدث القائد أبو عبد الله محمد بن فاتك البطائحي مع الأفضل بن أمير الجيوش في ذلك فأجاب إليه وخرج أمره إلى الشيخ أبي القاسم بن الصيرفي بإنشاء سجل به. فأنشأ ما نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ارتضى أمير المؤمنين أمينه في أرضه وخليفته وألهمه أن يعم بحسن التدبير عبيده وخليقته ووفقه لمصالح يستمد أسبابها ويفتح بحسن نظره أبوابها وأورثه مقام آبائه الراشدين الذين اختصهم بشرف المفخر وجعل اعتقاد موالاتهم سبب النجاة في المحشر وعناهم بقوله: " وتوخيًا لما عاد بضروب الاستغلال واعتناء برجال الدولة العلوية وأجنادها واهتمامًا بمصالحهم التي ضعفت قواهم عن ارتيادها ورعاية لمن ضمنه أقطار المملكة من الرعايا وحملًا لهم على أعدل السنن وأفضل القضايا يحمده أمير المؤمنين على ما أعانه عليه من حسن النظر للأمة وادخره لأيامه من الفضائل التي صفت بها ملابس النعمة ووفقه لما يعود على الكافة بشمول الانتفاع حتى صار استبدال الحقوق بواجبات الشريعة الواضحة الأدلة واستيفاؤها بمقتضى المعدلة فيما يجري على أحكام الخراج وأوضاع الأهلة ويرغب إليه بالصلاة على محمد الذي ميزه بالحكمة وفصل الخطاب وبين به ما استيهم من سبل الصواب وأنزل عليه في محكم الكتاب: " هو ولما كانت جباياتها على حكمين: أحدهما: يجيء هلاليًا وذلكما لا يدخله عارض ولا إشكال ولا إبهام ولا يحتاج فيه إلى إيضاح ولا إفهام لأن شهور الهلال يشترك في معرفتها الأمير والمقصر يستوي في الفهم بها المتقدم في العلم والمتأخر إذ كان الناس آلفين لأزمنة متعبداتهم السنين مما يحفظ لهم نظام مرسوم ولآخر يجيء خراجيًا ويثتب بنسبته إلى الخراج لأنها تضبط أوقات ما يجري ذلك لأجله من النيل المبارك والزراعة وتحفظ أحيانه دوين السنة الهلالية وتحرس أوضاعه ولا يستقل بمعرفته إلا من باشره وعرف موارده ومصادره فوجب أن يقصر على السنة الخراجية النظر ويفعل فيها ما تعظم به الفائدة ويحسن فيه الأثر ويعتمد في إيضاح أمرها وتقديم حكمها على ما تتحلىبه التواريخ وتزين به السير ويكون ذلك شاهدًا لمساعي السيد الأجل الأفضل الذي لا يزال ساهرًا ليله في حياطه الهاجعين شاهرًا لسيفه في حماية الوادعين مطلعًا للدولة بدور السعادة وشموسها مذللًا صعب الحوادث وشموسها ناطقة تارة بأن أمة هو راعيها قد فضل الله سائسها وأسعد مسوسها وهذا حين التبصير والإرشاد وأوان التبيين للغرض والمراد لتتساوى العامة والخاصة في علمه وتسعهم الفائدة في معرفة حكمه وتتحقق المنفعة لهم فيما يمنع من تداخل السنين واستقبالها وتتيقن المعدلة عليهم فيما يؤمن من المضار التي يحتاج إلى استدراكها. ومعلوم أن أيام السنة الخراجية وهي السنة الشمسية بخلاف السنة الهلالية لأن أيام السنة الخراجية من استقبال النوروز إلى آخر النسيء ثلثمائة وخمسة وستون يومًا وربع يوم وأيام السنة الهلالية لا استقبال المحرم إلى آخر ذي الحجة ثلثمائة وأربعة وخمسون يومًا والخلاف في كل سنة بالتقريب أحد عشر يومًا وفي كل ثلاث وثلاثين سنة سنة واحدة على حكم التقريب ويتقضيه ما تقدم من الترتيب فإذا اتفق أن يكون أول الهلالية موافقًا لمدخل السنة الخراجية وكانت نسبتهما واحدة استمر اتفاق التسمية فيهما وبقي ذلك جاريًا عليهما ولم يزالا متداخلين لكون مدخل الخراجية في أثناء شهور الهلالية إلى انقضاء ثلاث وثلاثين سنة فإذا انقضت هذه المدة بطلت المداخلة وخلت السنة الهلالية من نوروز يكون فيها وبحكم ذلك بطل اتفاق التسمية ويكون التفاوت سنة واحدة للعلة المقدم ذكرها ومن أين يستمر بينهما ائتلاف أو يعدم لهما اختلاف أم كيف يعتقد ذلك أحد من والله تعالى يقول: " وليس لها في الخراجي ارتفاع والأعمال تطيف بالزراعة ولا حظ لها في ذلك ولا انتفاع وهذه الحال المضرة بها على بيت المال غير خفية والأذية فيها للرجال المقطعين بادية وأسباب لحوقها إياهم مستمرة متمادية ولا سيما من وقع له بإثبات وأنعم عليه بزيادات فإنهم يتعجلون الاستقبال ويتأجلون الاستغلال ومتى لم تنقل هذه السنة الخراجية كانت متداخلة بين سنين هلالية وهي موافقة لغيرها وما لها يجري على سنة تجري بينهما لأن مدخلها في اليوم العاشر من المحرم سنة إحدى وخمسمائة وانقضاؤها في العشرين من المحرم سنة اثنتين وخمسمائة وهي متداخلة بين هاتين السنتين وما لهما يجري على سن إحدى وخمسمائة والحال في ذلك لا ينتهي إلى أمد ولا يزال الفساد يتزايد طول الأبج وقد رأى أمير المؤمنين وبالله توفيقه ما خرج به أمره إلى السيد الأجل الأفضل الذي نبه على هذا الأمر وكشف غامضه وأزال بحسن توصله تنافيه وتناقضه أن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجل مضمنًا ما رآه ودبره مودعًا إنفاذ ما أحكمه وقرره من نقل سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة لتكون موافقة لها. ويجري عليها ما لها ويكون ما يستأدونه من إقطاعاتهم ويستخرجونه من واجباتهم جاريًا على نظام محروس ونطاق محيط غير منحوس وشاهدًا بنصيب موفي غير منقوص ويتضح ما أبهم إشكاله التعمية ويزول الاستكراه في اختلاف التسمية ويستمر الوفاق بين السنين الهلالية والخراجية إلى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وينسب مال الخراج المقاسمات وما يستغل يجبي من الإقطاعات مما كان جاريًا على ذكر سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة وتجري الإضافة إليها مجرى ما يرتفع من الهلالي فيها لتكون سنة إحدى من هذه مشتملة على ما يخصها من مالها وعلى السنة الخراجية بما يشرح من انتقالها وكذلك نقل سنة تسع وتسعين وأربعمائة الخراجية الثابتة بالتسمية إلى سنة إحدى وخمسمائة المشار إليها ويكون مالها جاريًا عليها فليعتمد ذلك في الدواوين بالحضرة وفي سائر أعمال الدولة قاصياها ودانيها وفارسها وشاميها وليتنيه كافة الكتاب والمستخدمين وجميع العمال والمتصرفين إلى اقتفاء هذه السنن وأتباعه وليحذروا الخروج عن أحكامه المقررة وأوضاعه وليبادروا إلى امتثال المرسوم فيه وليحذروا من تجاوزه وتعديه ولينسخ في دواوين الأموال والجيوش المنصورة وليخلد بعد ذلك في بيوت المال المعمورة وكتب في محرم سنة إحدى وخمسمائة. وقال القاضي الفاضل في متجددات سنة سبع وستين وخمسمائة ومن خطه نقلت مستهل المحرم نسخ منشور بنقل السنة الخراجية إلى السنة الهلالية والمطابقة بين اسمهما لموافقة الشهور العربية للشهور القبطية وخلو سنة سبع من نوروز فنقلت سنة خمس وستين وخمسمائة الخراجبة إلى هذه السنة وكان آخر نقل نقلته هذه السنة في الأيام الإفضلية فإن سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وسنة تسع وتسعين الخارجيتين نقلتا إلى سنة إحدى وخمسمائة الخراجية وسبب هذا الانفراج بينهما زيادة عدد السنة الشمسية على عد الهلالية أحد عشر يومًا وإغفال النقل في سنة ثلاث وثلاثين في أيام الوزير الإفضل رضوان بن ولخشي وانسحب ذيل هذه الزيادة وتداخل السنين بعضها في بعض إلى أن صار التفاوت بينهما سنتين في هذه السنة فنقلت وهو انتقال لا يتعدى التسمية ولا يتجاوز اللفظ ولا ينقص مالًا لديوان ولا لمقطع وإنما يقصد به إزالة الإلباس وحل الإشكال. وقال القاضي أبو الحسين: ونسخة الكتاب الذي أنشأه القاضي الفاضل خرجت الأوامر الملكية الناصرية زاد الله في إعلائها بإبداع هذا المنشور إنا نؤثر من حسن النظر ما يؤثر أحسن الخبر ولا ينصرف بنا الفكر عما تحلى به السير وتجلى به الغير ولا تزال خزاطرنا تعتلي فتطلع الدراري وتغوص فتخرج الدر وإن أولى ما استحدت به البصائر وخرست فيه المصائ كل أمر يصحح المعاملات ويشرحها ويطلق عقولهم من عقول الإشكال ويسرحهغ ولما وجب نقل السنة الخراجية والمطابقة بينها وبين الهلالية لا نفراجهما بسنتين وموافقة الشهنور الخراجية والهلالية في هذا السنة مطلع المستهلين أمضينا هذه السنة الخالية في هذه السنة الآتية واستخرنا الله تعالى في نقل سنتي خمس وست وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وخمسمائة التي سميت بهذا النقل هلالية خراجية نفيًا للأمور المشتبهة والتسمية المموهة وتنزيهًا لسني الإسلام عن التكبيس ولتاريخه عن ملابسة التلبيس وإعلامًا بالوفاق الذي استشعرته آباؤها وبنوها وإعلانًا بإتباعه عناية بعوايد السلف التي خلفوها للخلف وبنوها وفي ذلك ما تحمد به العواقب وتنفسخ به المذاهب وتتيسر به المطالب ويزول به الإشكال ويؤمن به الاختلال وينحسم به الغلط في الحساب ويؤلف بين السنين المتلفة الأنساب ويحفظ على القمر معاملته ويبعد عن التاريخ معاطلته ويقرب على الكاتب محاولته ويصرف عن نعمة الله هجنة كونها مقدمة في التسنية مؤخرة في التسمية وعن معاملة بيت المال وصمة كونها معذوقة بالمطل وقد بالغت في التوفيه لأن من أعطى في سنة سبع وستين وخمسمائة استحقاق سنة خمس فلا ريب أنه قد مطل بحكم السمع وإن كان قد أنجز بحكم الشرع فتوسم هذه السنة المباركة بالهلالية الخراجية وترفع الحسبانات بهذا الوضع ويعمل في التقريرات والتسجيلات على هذا فليفعل في ذلك ما يقضي بإرتاج هذا الانفراج وجبر هذا الصدع وليعلم في الدواوين علمه ولينفذ فيها حكمه بعد ثبوته إلى حيث يثبت مثله إن شاء الله تعالى. وأما تاريخ العرب: فإنه لم يزل في الجاهلية والإسلام يعمل بشهور الأهلة وعدة شهور السنة عندهم: اثنا عشر شهرًا إلا أنهم اختلفوا في أسمائها فكانت العرب العاربة تسميها: ناتق ونقيل وطليق واسخ أنخ وحلك وكسح وزاهر ونوط وحرف وبغش. فناتق هو: المحرم ونقيل هو: صفر وهكذا ما بعده على سرد الشهور.
|